«متن عربی خطبه غدیر ( ق1)»
بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحیم
الْحَمْدُ للّهِِ الَّذی عَلا فی تَوَحُّدِهِ وَدَنا فی تَفَرُّدِهِ وَجَلَّ فی سُلْطانِهِ وَعَظُمَ فی أَرْکانِهِ، وَأَحاطَ بِکُلِّ شَیْءٍ عِلْما وَهُوَ فی مَکانِهِ، وَقَهَرَ جَمیعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهانِهِ، حَمیدا لَمْیَزَلْ، مَحْمُودا لا یَزالُ وَمَجیدا لا یَزُولُ، وَمُبْدِئا وَمُعیدا وَکُلُّ أَمْرٍ إلَیْهِ یَعُودُ. «»
بارِئُ الْمَسْمُوکاتِ وَداحِى الْمَدْحُوّاتِ وَجَبّارُ الاْءَرَضینَ وَالسَّماواتِ، قُدُّوسٌ سُبُّوحٌ، رَبُّ الْمَلائِکَةِ وَالرُّوحِ، مُتَفَضِّلٌ عَلى جَمیعِ مَنْ بَرَأَهُ، مُتَطَوِّلٌ عَلى جَمیعِ مَنْ أَنْشَأَهُ.
یَلْحَظُ کُلَّ عَیْنٍ وَالْعُیُونُ لا تَراهُ. کَریمٌ حَلیمٌ ذُو أَناةٍ، قَدْ وَسِعَ کُلَّ شَیْءٍ رَحْمَتُهُ وَمَنَّ عَلَیْهِمْ بِنِعْمَتِهِ. لا یَعْجَلُ بِانْتِقامِهِ، وَلا یُبادِرُ إلَیْهِمْ بِمَا اسْتَحَقُّوا مِنْ عَذابِهِ.
قَدْ فَهِمَ السَّرائِرَ وَعَلِمَ الضَّمائِرَ، وَلَمْ تَخْفَ عَلَیْهِ الْمَکْنُوناتُ وَلاَ اشْتَبَهَتْ عَلَیْهِ الْخَفِیّاتُ. لَهُ الاْءحاطَةُ بِکُلِّ شَیْءٍ وَالْغَلَبَةُ عَلى کُلِّ شَیْءٍ وَالْقُوَّةُ فی کُلِّ شَیْءٍ وَالْقُدْرَةُ عَلى کُلِّ شَیْءٍ، وَلَیْسَ مِثْلَهُ شَیْءٌ. وَهُوَ مُنْشِئُ الشَّیْءِ حینَ لا شَیْءَ، دائِمٌ حَیٌّ وَقائِمٌ بِالْقِسْطِ، لا إلهَ إلاّ هُوَ الْعَزیزُ الْحَکیمُ.
جَلَّ عَنْ أَنْ تُدْرِکَهُ الاْءَبْصارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الاْءَبْصارَ وَهُوَ اللَّطیفُ الْخَبیرُ. لا یَلْحَقُ أَحَدٌ وَصْفَهُ مِنْ مُعایَنَةٍ، وَلا یَجِدُ أَحَدٌ کَیْفَ هُوَ مِنْ سِرٍّ وَعَلانِیَةٍ، إلاّ بِما دَلَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلى نَفْسِهِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّهُ اللّهُ الَّذی مَلاَءَ الدَّهْرَ قُدْسُهُ، وَالَّذی یَغْشَى الاْءَبَدَ نُورُهُ، وَالَّذی یُنْفِذُ أَمْرَهُ بِلا مُشاوَرَةِ مُشیرٍ، وَلا مَعَهُ شَریکٌ فی تَقْدیرِهِ، وَلا یُعاوَنُ فی تَدْبیرِهِ.
صَوَّرَ مَا ابْتَدَعَ عَلى غَیْرِ مِثالٍ، وَخَلَقَ ما خَلَقَ بِلا مَعُونَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَلا تَکَلُّفٍ وَلاَ احْتِیالٍ.
أَنْشَأَها فَکانَتْ، وَبَرَأَها فَبانَتْ. فَهُوَ اللّهُ الَّذی لا إلهَ إلاّ هُوَ الْمُتْقِنُ الصَّنْعَةَ، الْحَسَنُ الصَّنیعَةُ، الْعَدْلُ الَّذی لا یَجُورُ، وَالاْءَکْرَمُ الَّذی تَرْجِعُ إلَیْهِ الاْءُمُورُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّهُ اللّهُ الَّذی تَواضَعَ کُلُّ شَیْءٍ لِعَظَمَتِهِ، وَذَلَّ کُلُّ شَیْءٍ لِعِزَّتِهِ، وَاسْتَسْلَمَ کُلُّ شَیْءٍ لِقُدْرَتِهِ، وَخَضَعَ کُلُّ شَیْءٍ لِهَیْبَتِهِ. مَلِکُ الاْءَمْلاکِ وَمُفَلِّکُ الاْءَفْلاکِ وَمُسَخِّرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، کُلٌّ یَجْری لاِءَجَلٍ مُسَمّى، یُکَوِّرُ اللَّیْلَ عَلَى النَّهارِ وَیُکَوِّرُ النَّهارَ عَلى اللَّیْلِ یَطْلُبُهُ حَثیثا. قاصِمُ کُلِّ جَبّارٍ عَنیدٍ، وَمُهْلِکُ کُلِّ شَیْطانٍ مَریدٍ.
لَمْ یَکُنْ لَهُ ضِدٌّ وَلا مَعَهُ نِدٌّ، أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفْوا أَحَدٌ. إلهٌ واحِدٌ وَرَبُّ ماجِدٌ، یَشاءُ فَیُمْضی، وَیُریدُ فَیَقْضی، وَیَعْلَمُ فَیُحْصی، وَیُمیتُ وَیُحْیی، وَیُفْقِرُ وَیُغْنی، وَیُضْحِکُ وَیُبْکی، وَیُدْنی وَیُقْصی، وَیَمْنَعُ وَیُعْطی، لَهُ الْمُلْکُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِیَدِهِ الْخَیْرُ وَهُوَ عَلى کُلِّ شَیْءٍ قَدیرٌ.
یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَیُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ، لا إلهَ إلاّ هُوَ الْعَزیزُ الْغَفّارُ. مُسْتَجیبُ الدُّعاءِ وَمُجْزِلُ الْعَطاءِ، مُحْصِى الاْءَنْفاسِ وَرَبُّ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ ؛ الَّذی لا یُشْکِلُ عَلَیْهِ شَیْءٌ، وَلا یُضْجِرُهُ صُراخُ الْمُسْتَصْرِخینَ، وَلا یُبْرِمُهُ إلْحاحُ الْمُلِحّینَ. الْعاصِمُ لِلصّالِحینَ، وَالْمُوَفِّقُ لِلْمُفْلِحینَ، وَمَوْلَى الْمُؤْمِنینَ وَرَبُّ الْعالَمینَ ؛ الَّذی اسْتَحَقَّ مِنْ کُلِّ مَنْ خَلَقَ أَنْ یَشْکُرَهُ وَیَحْمَدَهُ عَلى کُلِّ حالٍ.
أَحْمَدُهُ کَثیرا وَأَشْکُرُهُ دائِما عَلَى السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ، وَأُومِنُ بِهِ وَبِمَلائِکَتِهِ وَکُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. أَسْمَعُ لاِءَمْرِهِ وَأُطیعُ وَأُبادِرُ إلى کُلِّ ما یَرْضاهُ وَأَسْتَسْلِمُ لِما قَضاهُ، رَغْبَةً فی طاعَتِهِ وَخَوْفا مِنْ عُقُوبَتِهِ، لاِءَنَّهُ اللّهُ الَّذی لا یُؤْمَنُ مَکْرُهُ وَلا یُخافُ جَوْرُهُ.
أمرٌ إلهىٌّ فی موضوع هامّ
وَأُقِرُّ لَهُ عَلى نَفْسی بِالْعُبُودِیَّةِ، وَأَشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِیَّةِ، وَأُؤَدّی ما أَوْحى بِهِ إلَیَّ، حَذَرا مِنْ أَنْ لا أَفْعَلَ فَتَحِلَّ بی مِنْهُ قارِعَةٌ لا یَدْفَعُها عَنّی أَحَدٌ وَإنْ عَظُمَتْ حیلَتُهُ وَصَفَتْ خُلَّتُهُ ؛ لا إلهَ إلاّ هُوَ.
لاِءنَّهُ قَدْ أعْلَمَنی أَنّی إنْ لَمْ أُبَلِّغْ ما أَنْزَلَ إلَیَّ فی حَقِّ عَلِیٍّ فَما بَلَّغْتُ رِسالَتَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ لی تَبارَکَ وَتَعالى الْعِصْمَةَ مِنَ النّاسِ وَهُوَ اللّهُ الْکافِی الْکَریمُ.
فَأَوْحى إلَیَّ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ، یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ ـ فی عَلِیٍّ، یَعْنی فِی الْخِلافَةِ لِعَلِیِّ بْنِ أَبیطالِبٍ ـ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ».
مَعاشِرَ النّاسِ، ما قَصَّرْتُ فی تَبْلیغِ ما أَنْزَلَ اللّهُ تَعالى إلَیَّ، وَأَنَا أُبَیِّنُ لَکُمْ سَبَبَ هذِهِ الاْآیَةِ: إنَّ جَبْرَئیلَ هَبَطَ إلَیَّ مِرارا ثَلاثا یَأْمُرُنی عَنِ السَّلامِ رَبّی ـ وَهُوَ السَّلامُ ـ أَنْ أَقُومَ فی هذَا الْمَشْهَدِ فَأُعْلِمَ کُلَّ أَبْیَضَ وَأَسْوَدَ: أَنَّ عَلِیَّ بْنَ أَبیطالِبٍ أَخی وَوَصِیّی وَخَلیفَتی عَلى أُمَّتی وَالاْءمامُ مِنْ بَعْدی، الَّذی مَحَلُّهُ مِنّی مَحَلُّ هارُونَ مِنْ مُوسى اءلاّ أَنَّهُ لا نَبِیَّ بَعْدی، وَهُوَ وَلِیُّکُمْ بَعْدَ اللّهِ وَرَسُولِهِ.
وَقَدْ أَنْزَلَ اللّهُ تَبارَکَ وَتَعالى عَلَیَّ بِذلِکَ آیَةً مِنْ کِتابِهِ هی: «إنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ یُقیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ»، وَعَلِیُّ بْنُ أَبیطالِبٍ الَّذی أقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّکاةَ وَهُوَ راکِعٌ یُریدُ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ فی کُلِّ حالٍ.
وَسَأَلْتُ جَبْرَئیلَ أَنْ یَسْتَعْفِیَ لِیَ السَّلامَ عَنْ تَبْلیغِ ذلِکَ إلَیْکُمْ ـ أَیُّهَا النّاسُ ـ لِعِلْمی بِقِلَّةِ الْمُتَّقینَ وَکَثْرَةِ الْمُنافِقینَ وَإدْغالِ اللاّئِمینَ وَحِیَلِ الْمُسْتَهْزِئینَ بِالاْءسْلامِ، الَّذینَ وَصَفَهُمُ اللّهُ فی کِتابِهِ بِأَنَّهُمْ یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَیْسَ فی قُلُوبِهِمْ، وَیَحْسَبُونَهُ هَیِّنا وَهُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظیمٌ، وَکَثْرَةِ أَذاهُمْ لی غَیْرَ مَرَّةٍ، حَتّى سَمُّونی أُذُنا وَزَعَمُوا أَنّی کَذلِکَ لِکَثْرَةِ مُلازَمَتِهِ إیّایَ وَإقْبالی عَلَیْهِ وَهَواهُ وَقَبُولِهِ مِنّی، حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ فی ذلِکَ: «وَمِنْهُمُ الَّذینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ ـ عَلَى الَّذینَ یَزْعَمُونَ أَنَّهُ أُذُنٌ ـ خَیْرٍ لَکُمْ، یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَیُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنینَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذینَ آمَنوا مِنْکُمْ وَالَّذینَ یُؤذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلیمٌ».
وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّیَ الْقائِلینَ بِذلِکَ بِأَسْمائِهِمْ لَسَمَّیْتُ، وَأَنْ أومِئَ إلَیْهِمْ بِأَعْیانِهِمْ لاَءَوْمَأْتُ، وَأَنْ أَدُلَّ عَلَیْهِمْ لَدَلَلْتُ، وَلکِنّی وَاللّهِ فی أُمُورِهِمْ قَدْ تَکَرَّمْتُ.
وَکُلُّ ذلِکَ لا یَرْضَى اللّهُ مِنّی إلاّ أَنْ أُبَلِّغَ ما أَنْزَلَ اللّهُ إلَیَّ فی حَقِّ عَلِیٍّ، « یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ ـ فی حَقِّ عَلِیٍّ ـ وَاِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ».
الإعلان الرسمی بإمامة الأئمة الاثنی عشر علیهمالسلام و ولایتهم
فَاعْلَمُوا مَعاشِرَ النّاسِ ذلِکَ فیهِ وَافْهَمُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ قَدْ نَصَبَهُ لَکُمْ وَلِیّا وَإماما فَرَضَ طاعَتَهُ عَلَى الْمُهاجِرینَ وَالاْءَنْصارِ وَعَلَى التّابِعینَ لَهُمْ بِإحْسانٍ، وَعَلَى الْبادی وَالْحاضِرِ، وَعَلَى الْعَجَمِیِّ وَالْعَرَبِیِّ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوکِ وَالصَّغیرِ وَالْکَبیرِ، وَعَلَى الاْءَبْیَضِ وَالاْءَسْوَدِ، وَ عَلى کُلِّ مُوَحِّدٍ ماضٍ حُکْمُهُ، جازٍ قَوْلُهُ، نافِذٌ أَمْرُهُ، مَلْعُونٌ مَنْ خالَفَهُ، مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَقَدْ غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأَطاعَ لَهُ.
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّهُ آخِرُ مَقامٍ أَقُومُهُ فی هذَا الْمَشْهَدِ، فَاسْمَعُوا وَأَطیعُوا وَانْقادُوا لاِءَمْرِ اللّهِ رَبِّکُمْ، فَإنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ مَوْلاکُمْ وَإلهُکُمْ، ثُمَّ مِنْ دُونِهِ رَسُولُهُ وَنَبِیُّهُ الْمُخاطِبُ لَکُمْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدی عَلِیٌّ وَلِیُّکُمْ وَإمامُکُمْ بِأَمْرِ اللّهِ رَبِّکُمْ، ثُمَّ الاْءمامَةُ فی ذُرِّیَّتی مِنْ وُلْدِهِ إلى یَوْمٍ تَلْقَوْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ.
لا حَلالَ اءلاّ ما أَحَلَّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَهُمْ، وَلا حَرامَ اءلاّ ما حَرَّمَهُ اللّهُ عَلَیْکُمْ وَرَسُولُهُ وَهُمْ، وَاللّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَرَّفَنِیَ الْحَلالَ وَالْحَرامَ وَأَنَا أَفْضَیْتُ بِما عَلَّمَنی رَبّی مِنْ کِتابِهِ وَحَلالِهِ وَحَرامِهِ اءلَیْهِ.
مَعاشِرَ النّاسِ، فَضِّلُوهُ. ما مِنْ عِلْمٍ إلاّ وَقَدْ أَحْصاهُ اللّهُ فِیَّ، وَکُلُّ عِلْمٍ عُلِّمْتُ فَقَدْ أَحْصَیْتُهُ فی إمامِ الْمُتَّقینَ، وَما مِنْ عِلْمٍ إلاّ وَقَدْ عَلَّمْتُهُ عَلِیّا، وَهُوَ الاْءمامُ الْمُبینُ الَّذی ذَکَرَهُ اللّهُ فی سُورَةِ یسآ: «وکُلَّ شَیْءٍ أَحْصَیْناهُ فی إمامٍ مُبینٍ».
مَعاشِرَ النّاسِ، لا تَضِلُّوا عَنْهُ وَلا تَنْفِرُوا مِنْهُ، وَلا تَسْتَنْکِفُوا عَنْ وِلایَتِهِ، فَهُوَ الَّذی یَهْدی إلَى الْحَقِّ وَیَعْمَلُ بِهِ، وَیُزْهِقُ الْباطِلَ وَیَنْهى عَنْهُ، وَلا تَأْخُذُهُ فِی اللّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ.
أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ، لَمْ یَسْبِقْهُ إلَى الاْیمانِ بی أَحَدٌ، وَالَّذی فَدى رَسُولَ اللّهِ بِنَفْسِهِ، وَالَّذی کانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ وَلا أَحَدَ یَعْبُدُ اللّهَ مَعَ رَسُولِهِ مِنَ الرِّجالِ غَیْرُهُ. أَوَّلُ النّاسِ صَلاةً وَأَوَّلُ مَنْ عَبَدَ اللّهَ مَعی. أَمَرْتُهُ عَنِ اللّهِ أَنْ یَنامَ فی مَضْجَعی، فَفَعَلَ فادِیا لی بِنَفْسِهِ.
مَعاشِرَ النّاسِ، فَضِّلُوهُ فَقَدْ فَضَّلَهُ اللّهُ، وَاقْبَلُوهُ فَقَدْ نَصَبَهُ اللّهُ.
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّهُ إمامٌ مِنَ اللّهِ، وَلَنْ یَتُوبَ اللّهُ عَلى أَحَدٍ أَنْکَرَ وِلایَتَهُ وَلَنْ یَغْفِرَ لَهُ، حَتْما عَلَى اللّهِ أَنْ یَفْعَلَ ذلِکَ بِمَنْ خالَفَ أَمْرَهُ وَأَنْ یُعَذِّبَهُ عَذابا نُکْرا أَبَدَ الاْآبادِ وَدَهْرَ الدُّهُورِ. فَاحْذَرُوا أَنْ تُخالِفُوهُ، فَتَصْلُوا نارا وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْکافِرینَ.
مَعاشِرَ النّاسِ، بی ـ وَاللّهِ ـ بَشَّرَ الاْءَوَّلُونَ مِنَ النَّبِیّینَ وَالْمُرْسَلینَ، وَأَنَا ـ وَاللّهِ ـ خاتَمُ الاْءَنْبِیاءِ وَالْمُرْسَلینَ، وَالْحُجَّةُ عَلى جَمیعِ الْمَخْلُوقینَ مِنْ أَهْلِ السَّماواتِ وَالاْءَرَضینَ. فَمَنْ شَکَّ فی ذلِکَ فَقَدْ کَفَرَ کُفْرَ الْجاهِلِیَّةِ الاُْولى، وَمَنْ شَکَّ فی شَیْءٍ مِنْ قَوْلی هذا فَقَدْ شَکَّ فی کُلِّ ما أُنْزِلَ اءلَیَّ، وَمَنْ شَکَّ فی واحِدٍ مِنَ الاْءَئِمَّةِ فَقَدْ شَکَّ فِی الْکُلِّ مِنْهُمْ، وَالشّاکُ فینا فِی النّارِ.
مَعاشِرَ النّاسِ، حَبانِیَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهذِهِ الْفَضیلَةِ مَنّا مِنْهُ عَلَیَّ وَإحْسانا مِنْهُ إلَیَّ وَلا إلهَ إلاّ هُوَ، أَلا لَهُ الْحَمْدُ مِنّی أَبَدَ الآبِدینَ وَدَهْرَ الدّاهِرینَ وَعَلى کُلِّ حالٍ.
مَعاشِرَ النّاسِ، فَضِّلُوا عَلِیّا فَاءنَّهُ أَفْضَلُ النّاسِ بَعْدی مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثى ما أَنْزَلَ اللّهُ الرِّزْقَ وَبَقِیَ الْخَلْقُ.
مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ، مَغْضُوبٌ مَغْضُوبٌ مَنْ رَدَّ عَلَیَّ قَوْلی هذا وَلَمْ یُوافِقْهُ. أَلا إنَّ جَبْرَئیلَ خَبَّرَنی عَنِ اللّهِ تَعالى بِذلِکَ وَیَقُولُ: «مَنْ عادى عَلِیّا وَلَمْ یَتَوَلَّهُ فَعَلَیْهِ لَعْنَتی وَغَضَبی»، «وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّهَ ـ أَنْ تُخالِفُـوهُ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها ـ إنَّ اللّهَ خَبیرٌ بِما تَعْمَلُونَ».
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّهُ جَنْبُ اللّهِ الَّذی ذَکَرَ فی کِتابِهِ الْعَزیزِ، فَقالَ تَعالى مُخْبرا عَمَّنْ یُخالِفُهُ: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یا حَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ فی جَنْبِ اللّهِ».
مَعاشِرَ النّاسِ، تَدَبَّرُوا القُرْآنَ وَافْهَمُوا آیاتِهِ، وَانْظُرُوا إلى مُحْکَماتِهِ وَلا تَتَّبِعُوا مُتَشابِهَهُ، فَوَاللّهِ لَنْ یُبَیِّنَ لَکُمْ زَواجِرَهُ وَلَنْ یُوضِحَ لَکُمْ تَفْسیرَهُ إلاَّ الَّذی أَنَا آخِذٌ بِیَدِهِ وَمُصْعِدُهُ إلَیَّ وَشائِلٌ بِعَضُدِهِ وَرافِعُهُ بِیَدی وَمُعْلِمُکُمْ: أَنَّ مَنْ کُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِیٌّ مَوْلاهُ، وَهُوَ عَلِیٌّ بْنُ أَبیطالِبٍ أَخی وَوَصِیّی، وَمُوالاتُهُ مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَها عَلَیَّ.
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّ عَلِیّا وَالطَّیِّبینَ مِنْ وُلْدی مِنْ صُلْبِهِ هُمُ الثِّقْلُ الاْءَصْغَرُ، وَالْقُرْآنُ الثِّقْلُ الاْءَکْبَرُ، فَکُلُّ واحِدٍ مِنْهُما مُنْبِئٌ عَنْ صاحِبِهِ وَمُوافِقٌ لَهُ، لَنْ یَفْتَرِقا حَتّى یَرِدا عَلَیَّ الْحَوْضَ.
أَلا إنَّهُمْ أُمَناءُ اللّهِ فی خَلْقِهِ وَحُکّامُهُ فی أَرْضِهِ.
أَلا وَقَدْ أَدَّیْتُ، أَلا وَقَدْ بَلَّغْتُ، أَلا وَقَدْ أَسْمَعْتُ، أَلا وَقَدْ أَوْضَحْتُ. ألا وَإنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قالَ، وَأَنَا قُلْتُ عَنِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَلا اءنَّهُ لا «أَمیرَالْمُؤْمِنینَ» غَیْرَ أَخی هذا. أَلا لا تَحِلُّ اءمْرَةُ الْمُؤْمِنینَ بَعْدی لاِءَحَدٍ غَیْرِهِ.
رفع علی علیهالسلام بیدی رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله ثم ضرب بیده إلى عضد علی علیهالسلام فرفعه، وکان أمیرالمؤمنین علیهالسلام منذ أول ما صعد رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله منبره على درجة دون مقامه مُتیامِنا عن وجه رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله کأنَّهما فی مقام واحد. فرفعه رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله بیده وبسطهما إلى السماء وشال علیّا علیهالسلام حتى صارت رجله مع رکبة رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله،
رفعُ علیُ علیه السلام بیدی رسُول الله صلی الله علیه و آله و سلم
ثم قال: أیُّهَا النّاسُ، مَنْ أوْلى بِکُمْ مِنْ أنْفُسِکُمْ؟ قالوا: اللّهُ وَ رَسوُلُهُ. فَقالَ:
ألا فَمَنْ کُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِیٌّ مَوْلاهُ، اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.
مَعاشِرَ النّاسِ، هذا عَلِیٌّ أَخی وَوَصِیّی وَواعی عِلْمی، وخَلیفَتی فی أُمَّتی عَلى مَنْ آمَنَ بی وَعَلى تَفْسیرِ کِتابِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وَالدّاعی إلَیْهِ وَالْعامِلُ بِما یَرْضاهُ وَالْمُحارِبُ لاِءَعْدائِهِ وَالْمُوالی عَلى طاعَتِهِ وَالنّاهی عَنْ مَعْصِیَتِهِ.
إنَّهُ خَلیفَةُ رَسُولِ اللّهِ وَأَمیرُالْمُؤْمِنینَ وَالإمامُ الْهادی مِنَ اللّهِ، وَقاتِلُ النّاکِثینَ وَالْقاسِطینَ وَالْمارِقینَ بِأَمْرِ اللّهِ.
یَقُولُ اللّهُ: «ما یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَیَّ». بِأَمْرِکَ یا رَبِّ أَقُولُ:
اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَاْنصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَالْعَنْ مَنْ أَنْکَرَهُ وَاغْضِبْ عَلى مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ.
اللّهُمَّ إنَّکَ أَنْزَلْتَ الاْآیَةَ فی عَلِیٍّ وَلِیِّکَ عِنْدَ تَبْیینِ ذلِکَ وَنَصْبِکَ إیّاهُ لِهذَا الْیَوْمِ: «الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتی وَرَضیتُ لَکُمُ الاْءسْلامَ دینا»، وَ قُلْتَ: «إنَّ الدّینَ عِنْدَ اللّهِ اْلإسْلامُ»، وَ قُلْتَ: «وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الاْءسْلامِ دینا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِى الاْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرینَ».
اللّهُمَّ إنّی أُشْهِدُکَ أَنّی قَدْ بَلَّغْتُ.
التأکید على توجه الأُمة نحو مسألة الإمامة
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّما أَکْمَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ دینَکُمْ بِإمامَتِهِ. فَمَنْ لَمْیَأْتَمَّ بِهِ وَبِمَنْ یَقُومُ مَقامَهُ مِنْ وُلْدی مِنْ صُلْبِهِ إلى یَوْمِ الْقِیامَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأُولئِکَ الَّذینَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِی الدُّنْیا والاْآخِرَةِ وَفِی النّارِ هُمْ خالِدُونَ، «لا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ یُنْظَرُونَ».
مَعاشِرَ النّاسِ، هذا عَلِیٌّ، أَنْصَرُکُمْ لی وَأَحَقُّکُمْ بی وَأَقْرَبُکُمْ إلَیَّ وَأَعَزُّکُمْ عَلَیَّ، وَاللّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا عَنْهُ راضِیانِ. وَما نَزَلَتْ آیَةُ رِضىً فِی الْقُرْآنِ إلاّ فیهِ، وَلا خاطَبَ اللّهُ الَّذینَ آمَنُوا إلاّ بَدَأَ بِهِ، وَلا نَزَلَتْ آیَةُ مَدْحٍ فِی الْقُرآنِ إلاّ فیهِ، وَلا شَهِدَ اللّهُ بِالْجَنَّةِ فی «هَلْ أَتى عَلَى الاِْنْسانِ» إلاّ لَهُ، وَلا أَنْزَلَـها فی سِواهُ وَلا مَدَحَ بِهـا غَیْرَهُ.
مَعاشِرَ النّاسِ، هُوَ ناصِرُ دینِ اللّهِ وَالْمُجادِلُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ، وَهُوَ التَّقِیُّ النَّقِیُّ الْهادِی الْمَهْدِیُّ. نَبِیُّکُمْ خَیْرُ نَبِیٍّ وَوَصِیُّکُمْ خَیْرُ وَصِیٍّ وَبَنُوهُ خَیْرُ الاْءَوْصِیاءِ.
مَعـاشِرَ النّـاسِ، ذُرِّیَّـةُ کُلُّ نَبِـیٍّ مِنْ صُلْـبِهِ، وَذُرِّیَّتـی مِنْ صُلْبِ أمیرِالْمُؤْمِنینَ عَلِیٍّ.
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّ إبْلیسَ أَخْرَجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ بِالْحَسَدِ، فَلا تَحْسُدُوهُ فَتَحْبِطَ أَعْمالُکُمْ وَتَزِلَّ أَقْدامُکُمْ، فَإنَّ آدَمَ أُهْبِطَ إلَى الاْءَرْضِ بِخَطیئَةٍ واحِدَةٍ، وَهُوَ صَفْوَةُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَکَیْفَ بِکُمْ وَأَنْتُمْ أَنْتُمْ وَمِنْکُمْ أَعْداءُ اللّهِ.
ألا وَإنَّهُ لا یُبْغِضُ عَلِیّا إلاّ شَقِیٌّ، وَلا یُوالی عَلِیّا إلاّ تَقِیٌّ، وَلا یُؤمِنُ بِهِ إلاّ مُؤمِنٌ مُخْلِصٌ. وَفی عَلِیٍّ ـ وَاللّهِ ـ نَزَلَتْ سُورَةُ الْعَصْرِ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ، وَالْعَصْرِ، إنَّ الاْءنْسانَ لَفی خُسْرٍ» إلاّ عَلِیٌّ الَّذی آمَنَ وَرَضِیَ بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ.
مَعاشِرَ النّاسِ، قَدْ اسْتَشْهَدْتُ اللّهَ وَبَلَّغْتُکُمْ رِسالَتی وَما عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبینُ.
مَعاشِرَ النّاسِ، «اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ».